تتميز سلطنة عمان بتوفر مجموعة من المواقع البيئية الفريدة التي تم تصنيف العديد منها كمحميات طبيعية، حيث بذلت الحكومة جهودًا متميزة لتطوير هذه المحميات وتهيئة الظروف الملائمة لحماية الأحياء الفطرية وتنميتها. واحدة من أبرز هذه المحميات هي "حديقة السليل الطبيعية"، التي تُعتبر من أكبر مواقع حماية الغزال العربي في الشرق الأوسط، حيث تشير الدراسات إلى أن حوالي 7% من القطيع العالمي للغزال العربي يعيش ضمن حدود هذه المحمية.
تقع حديقة السليل الطبيعية في ولاية الكامل والوافي بمحافظة جنوب الشرقية، على بعد 57 كيلومترًا من ولاية صور، وتم إعلانها محمية طبيعية بموجب المرسوم السلطاني رقم 50/97، وتغطي مساحة تُقدر بـ 220 كيلومترًا مربعًا. تحيط بها تضاريس متنوعة، حيث تمتد سلسلة جبال الحجر الشرقي إلى الشمال وصولًا إلى بحر عمان، بينما يحدها من الشرق سهل واسع متصل بجبل قهوان، ومن الجنوب وادي البطحاء ورمال الشرقية.
تتميز المحمية ببيئة طبيعية غنية تضم مجموعة متنوعة من النباتات مثل أشجار السمر والغاف والثرمد والشوع والأثل، التي توفر موارد غذائية وحماية للحيوانات البرية مثل الغزال العربي، الأرنب البري، الثعلب البري، والقط البري العماني المعروف بالسنمار. كما أنها موطن لأنواع نادرة من الطيور والزواحف والحشرات، مما يجعلها وجهة مهمة لحماية التنوع البيولوجي.
إلى جانب دورها البيئي، توفر المحمية مركزًا للبحث البيئي يُعنى بحماية وصون الحياة الفطرية، ومشتلًا لإكثار النباتات البرية. كما تشتمل على برج مراقبة لمتابعة الأنشطة داخل المحمية وضمان سلامة الحيوانات وحمايتها من الصيادين. ويُولي المركز عناية خاصة لعلاج الحيوانات البرية المصابة وإعادتها إلى المحمية بعد التعافي.
تحظى محمية السليل باهتمام كبير من الزوار، خصوصًا طلاب المدارس والباحثين، حيث يتوافد الآلاف سنويًا لاستكشاف جمالها الطبيعي والتعرف على الأحياء التي تعيش فيها.
إلى جانب قيمتها البيئية، تلعب المحمية دورًا إيجابيًا في تعديل المناخ والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما أنها تشجع السياحة البيئية من خلال أنشطة مثل التخييم، المشي في الطبيعة، والرحلات البرية، ما يسهم في تعزيز الفوائد الاقتصادية للمجتمع المحلي.
تقع المحمية ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث يكون معدل هطول الأمطار منخفضًا لا يتجاوز 150 ملم سنويًا، ومعظم الأمطار تتساقط خلال فصل الشتاء. بينما تشهد المنطقة درجات حرارة مرتفعة في الصيف، تتجاوز أحيانًا 35 درجة مئوية، ما يضيف تحديات بيئية تتطلب استراتيجيات فعالة للحفاظ على التوازن البيئي.
تتميز حديقة السليل الطبيعية أيضًا بأهميتها الجيولوجية، حيث تنتشر في شمال المحمية تكوينات جبلية تحتوي على أحافير تعود إلى ملايين السنين، مما يدل على تاريخ المنطقة كبيئة بحرية ضحلة. كما تضم المحمية مواقع أثرية هامة، مثل القبور الحجرية التي يعود تاريخها إلى 3000 سنة قبل الميلاد.
في إطار جهود التنويع الاقتصادي، تُعتبر المحمية جزءًا من مبادرات برنامج تنفيذ لتعزيز السياحة البيئية، حيث وضعت هيئة البيئة خطة تنمية شاملة لاستغلال المقومات الطبيعية للمحمية بما يحقق الاستدامة البيئية والاجتماعية. تشمل الخطة تطوير أنشطة السياحة الطبيعية، مثل إنشاء مركز زوار يعرض مقومات المحمية، وتوفير مرافق للتخييم والرحلات البرية، بالإضافة إلى تعزيز دور المجتمع المحلي من خلال توفير فرص اقتصادية مرتبطة بإدارة المحمية.
بفضل هذه الجهود، تُمثل محمية السليل الطبيعية نموذجًا ناجحًا في تحقيق التوازن بين حماية البيئة وتعزيز التنمية الاقتصادية، ما يجعلها وجهة بيئية وسياحية مميزة على مستوى السلطنة والمنطقة.
0 تعليقات
أهلا بك في موقع عُمان التعليمية - نرحب بنشر تعليقاتك البناءة و مساهماتك الطيبة - دائما نستمع بإهتمام لطلباتكم وآرائكم .. بالتوفيق